Monday, September 8, 2014

الراحل عمر الخطيب وجاذبية المعرفة

لي  مع الراحل الدكتور عمر الخطيب  قصة  عميقه  ابتدأت مع مطلع تسعينيات  القرن المنصرم وبرنامجه الجماهيري الشهير " بنك المعلومات "  وحيث انه وكما تعلمون  كان البرنامج يقدم عدة جوائز  نقدية وعينية  ومن ضمن تلك الجوائز ، جهاز حاسوب ! ذاك الشيئ الذي طالما اخصب خيالي واثار شغفي  وجوارحي  ففي ذاك الوقت  لم تكن  هذه الحواسيب منتشرة  كما هو الحال في هذه الايام بل كانت على درجة عالية من الندرة ومحدودية الانتشار  وارتفاع السعر !  كان جهاز الحاسوب  مع عدم  امتلاكي دراية  بتشغيل نظمه وتطبيقاته في ذلك الوقت صورة  متألقة وجذابة  لا تختلف عن جهاز الحاسوب الذي كان في كرتون الاطفال " لبيبه " التي كانت تلج فيه لتذهب فيه في  رحلة علمية عابرة  الحاضر نحو الماضي والمستقبل  وكأنها تستشرف حاضرنا مع شبكة الانترنت  التي يكن معروفة او منتشرة شعبياً في ذلك الوقت  فاجهزة الحاسوب كانت محصورة  بمراكز لحاسب في الجامعات وبعض المدارس الخاصة المرموقة  والمراكز الثقافية ، و الراحل عمر الخطيب عبر  برنامجه قدم لي فرصة شخصية لان احلم بامتلاك واحد من تلك الحواسيب لاتعرف عليها عن كثب ذاهباً بخيالي بعيدأ ان تقودني الخطى ذات مره الى المركز  الثقافي الملكي  في العاصمة عمان حيث  كان  يصور  البرنامج  لعلي احضى بفرصة للاجابة  على سؤال  الجمهور الذي  يمكنني من السحب على تلك  الجوائز  وتكتملل القصة السعيدة بأن انال  جائزتي التي اريد !  وهنا تستعيد ذاكرتي الحسية  طبيعة  تلك المشاعر المستائه  التي كانت تنتابني  اذا  ما شاهدت احدهم  وقد نال  جائزتي  التي كنت  احلم  بها  وكم اني شعرت بالسعادة ذات مره  عندما  عقدت  صفقة  مع احد اقراني في المدرسة  بأن يعطيني احد الاقراص المرنه  (Floppy Disk) المغناطيسية القديم وعليها احدى الالعاب البدائية مقابل  مصروفي  على أمل ان يأتي في يوم قريب ذاك الجهاز العجيب  الذي يمكنني  من تشغيل ذاك القرص الاصم .
أما الراحل  عمر الخطيب  فكانت  الشخصية التي تلهمني  بكل  ما تعنيه  الكلمة  من  معنى ففيه  تجسدت في ذهني صورة ذهنية  مبكرة  لما يجب  ان يكون عليه  حاملي   درجة  الدكتوراه  ونبوغه  حرض في داخلي  حراكاً لمعرفة من كل شيء شيء  في وقت جعل فيها الراحل الخطيب المعرفة  الشمولية جذابة جداً  بما ظهر عليه من كاريزما شخصية  اضفت على  حضوره  العلمي  هيبة ما للثقافة  والمعرفة  في وقت  اخذت فيه الناس تتباهى  بالقابها واموالها  ضرب  الدكتور  عمر الخطيب  مقياساً اخر  بما يمكن ان يصنع  لنا حضورا  حقيقياً وفاعلاً  انه  العلم  والمعرفه والقدرة  على العطاء  وليس أي شيء اخر  فعندما  تملك القدرة  على الانتقال  من اللغة لعربية  الى اللغة  الانجليزية وآدابها  ثم العروج على حقل العلوم  والابحار في عمق  التاريخ  واستكشاف  المعالم  الجغرافية  والديمغرافيه  لهذا الكوكب  والالمام  بالمبادئ  البسيطة التي  تشكل الكيفية التي تعمل بها الاشياء  فأنت ذو معرفة شمولية تستحق الانتباه والتقدير  بغض النظر عن ماهية التخصص الاساسي  فتعدد الاهتمامات وحقول البحث  ليست فصاماً ذهانياً  بعبر عن حالة  صراع  بين دوافع شخصية  مختلفة  من منظار فرويد  التجريبي  فالعلم  كل واحد مترابط  الاجزاء كل جزء يمكن ان يكون في خدمة الجزء  الاخر .. لكن  لماذا  تبدو المعرفة الشمولية  في حالة عمر الخطيب  مغرية جدا  هل لما ترتب  عليها من ظهور اعلامي مدوي  أم أن في المسألة جانب اخر يتعلق  بالدوافع الشخصية ؟ فهل نعمل ونتعلم ونسعى لاكتساب كم اكبر  من المعرفة  لتحقيق رسالة ما أم لنحضى  ببعض من ذاك  التقدير الاجتماعي  التي تحضى  به النخب التي تقود مسيرة المجتمع الحضارية ؟  مالذي يدفعنا لأن نقرأ ،لأن نكتب ؟  هل رغبة  في الافادة والتوجيه  والتأثير في  البيئة المحيطة  واغناء المدارك  أم رغبة في الظهور  والحصول على  الانتباه والاعتبار ؟ ولماذا ترسم ؟  هل لتجاوز  القصور في توظيف  المفردات اللغوية  في تعبير مطلق ام  انه  اشعار ملون  بالوجود ؟ ولماذا نخترع  ونكتشف ؟ هل لتحقيق سبق تاريخي  واشباع فضول علمي  أم انه حراك  نبيل  للنهوض بالبشرية ؟ ولو  ان الفيزيائي وضعته في حيز الشهرة مقطوعة موسيقية ما  قام بتألفيها أكان سيشعر  بحاجة الى الاستطراد في حقول الفيزياء  للحصول على اكتشاف ما  بشكل اضافة للبشرية ؟ 
في  حالة  عمر  الخطيب أنها  متعة  العطاء  لا شهوة الشهرة  وعندما لا تتبدل وتتغير  عندما تتبدل وتتغير  البيئة الحاضنة  سلباً  فهذا يعطي  مؤشر  واضح وقاطع  لحقيقة دوافعك  وعمر  الخطيب  لم يتغير  ولم يتبدل ولم يدر ظهره  لرسالته المعرفية  عندما سلكت المنظومة  الاعلامية العربية اتجاهات اخرى سطحت من خلالها  الثقافة   وجعلت المعرفة  على  اجندتها تشهد اضمحلالاُ شديداً لتنحدر نحو الدرك الاسفل من الفشل  الاعلامي  وتوجيه سلبي ممنهج للفكر الجمعي العربي  وهو ما تحدث  عنه صراحة ذات  بغاية الالم  مع الفنان الكويتي داوود حسين  في احدى برامج التوك شو على قناة فن الكويتية  قبل عدة سنوات .

وربما لو قدر لبرنامج  الخطيب  الجديد  الذي تحدث عنه في برنامج داوود حسين ان يرى  النور لكان  لنا قصص  اخرى ومواضع غير متناهية من الالهام والتحفيز  الشخصي  واتشعار  متعة العطاء ، واذا  ما كان  المنطلقات والحوافز الشخصية  تصب في صالح الجماعة  كما يرى  رائد الاقتصاد وعلم الاجتماع المفكر الاسكتلندي أدم سميث  فأن العطاء  كرغبة في  الاتصال مع الموجهات الفطرية في تقديم العون للاخر  هو  الناهض  الحقيقي  بالمجتمع  ككل  لان الحوافز الشخصية  وتعظيم  الانا قد  تنقلب وبالاً  على المجتمع  أما  الرغبة في العطاء فتقفز عن كل ما عداها من اعتبارات  لتؤدية رسالة جميلة  مشفوعة بشغف المعرفة ومتعة الاكتشاف ولتتشكل في النهاية تلك الصورة بالغة الجمال  والجاذبية  للثقافة  والمعرفة .
توقف  برنامج بنك  المعلومات  وارتقى صاحبه الى بارئه  وامتلكت  جهاز حاسوب قبل 12 عاماً وانتهت نهائياً  تلك الصورة الغامضة الخيالية المرتبطة  بهذا الجهاز  ودخلنا عصر الانترنت  على مصرعيه  ودخل  المسرح ظواهر جديدة كمواقع التواصل الاجتماعي  والمدونات  والموسوعات  والنشر المعرفي المصور ..  لكن كل ذلك  الاتساع وكل تلك المنظومة  بكل تلك الطواقم الضخمة التي تقف ورائها  لم تخلق للمعرفة تلك  الجاذبية  كما خلقها ذاك الرجل الظاهره  .... عمر الخطيب ملهمي ومعلمي .. رحمك الله . 

No comments:

Post a Comment