Friday, January 23, 2015

الغوص في اعماق الذاكرة



ليتهُ كانَ لي . وأنا القابعُ هنا وسطَ هذا العالمِ المتمادي في جنونهِ والقائمِ على رُكام الماضيْ أن يعودَ بيَ الزمنُ الى إِحدى تِلكَ ألياليْ الصيفيةِ الساحرةِ الماثلةِ في ذاكرتي كلُجينٍ متقدٍ تحتَ شمس الأَصيلِ شاهدةً علىَ إِتصالِ روحي الآنية بتلكَ اللحظاتَ العابرةْ،التي شكلت ماهيتي وهواجسي وآمالي ، كنت فيها طفلاً هشَ الادراك ،غض الفكر ،واسعُ الخيالِ  تطوفُ حولهُ العديدُ منَ الصورِ المشوشه الملتبسة والمبهمة .
ليته كان لي وانا الحائرُ بينَ مُحدَثاتِ الأيام ِومُقتَضَياتِ الواقع وشغف الروح  المترواح بين سطوع موسمي أخاذ  وخفوت قسري قاتل ان اعودَ الى  تلكَ الليةِ التي إنقطعَ فيها التيارُ الكَهرَبائيُ عن بيتِ جدتي في تلكَ القريةِ الرابضة على سفح  تلال  متلاصقة  ينتصبُ بيتها أوسطها  على شفا واديٍ فسيحٍ تحدهُ منحدراتٌ وتلالٌ خضراءٌ مُتتابعةْ منَ السنديانِ والبلوطِ  والزيتونْ فأوقدت جدتي فانوسْ الجازولين العتيقْ والذي لم تحملها رفاهية الكهرباء على التخلصِ منه ْ ، فالنعم لا لاتدوم  كما تردد دائماً أمامنا وأن لكل شيئ وقت حاجته  مهما كان بدائياً وبلا جدوى منظوره ،  وخرجنا نجلسُ على بساطٍ  من صنعها في فناء البيت الخارجي بجانب بئر روماني قديم مكور في باطن الصخر ذو فوهة حديدية مربعة تفتح لنشل الماء بدلو مربوط بحبل . كانت رائحة الصيف بعد يوم حار رائجة لا تخطئ الانف  مشفوعة بعبق  الجوري الذي يفوح  من الحوض المجاور  والنسيم القادم من المتوسط  والحرارة الطفيفة المرتدة من ما حملته الارض من يومها . 
صدقوني لازال المشهد  بكل فيه يسكن ذاكراتي عن ما سواه من احداث وصور  يوقد في داخلي من وقت لآخر  الاسى  ، وكماً لا متناهيٍاً  من التَوقِ والحَنينِ  الى ما لايُمكنُ أن يعودَ بأي شكلٍ من الاشكالْ ، فَما كانَ يَحلو ليَ ان اضع رأسي إِلى في حجر جَدتي  تماماً كما تفعلُ شقيقتي  ونحن نَنظرُ  بعينِ الدَهشةِ  والفُضولِ  والخَيالِ  الى النجومِ المتناثرة ِعلى القبةِ السَماويةِ المرئيةِ  في ليلةٍ صيفيةٍ آسرهٍ في اجمل ما يكون وجدتي  منغمسة  بإخبارنا أسماء ماهو معروف من تلكَ  الابراجِ السماويةِ وما ارتبط بها من اساطير وحكاياتٍ شعبيةٍ ، تلكَ بناتُ نعشٍ  وذاك كُرسيُ الملكِ  وهذا الدبُ القطبيُ
الذي خِلتُهُ دُباً حقيقياً يقبعُ فوقَ الغيوم وفي الليل يتحولُ الى نجوم  تُرصعُ حيزاً من السماء يستمتعُ بمراقبتنا  ونحنُ نبصرهُ  بكل شغف وانبهار  ، وكانت جدتي لا تنكف تروي لنا قصصاً عديده من الموروث الشعبي واحياناً مواقف مما رأت وسمعت ، وكنا لا نمل نطلبُ قِصصاً بِعينها  كقصةِ  القط الذي قطع اللبانُ ذَيلهُ ، وقصة الغولة  التي خشيت ان تخرج لي في اي لحظة من ذاك البئر القديم المحاط بالحكايا والاسرارفي ذهنيتي ، كنت متشبثاً  بجدتي الرؤوم  وكلي ثقة ان لا غولة في هذا العالم تجروء على مهاجمتي ما دمتُ قريباً من جدتي .  ننام  كالملائكة  بلا أرق او تقلب  ونستيقظ  مع خيوط الشمس الاولى لنلهو ونلعب  بين البيوت الحجرية القديمة ،  كان الجميع يحتفون بي انا القادم من تلك المدينة البعيدة والذي سيقضي عندهم بعض الوقت  هو اجمل وقت  يستفتح بالفرح والشغف  الطفولي الخالص وينتهي  بالدموع حين  يحين موعد  المغادرة ،  وكيفَ أن انسى ذاك  السُلم  الخشَبي الكَبيرْ  بالنسبةِ لحجمي ذاك الوقت والذي  كان يوضعُ  على برميل حديدي ممدد على جانبه ومثبت باحجار من حوله ليصبح لُعبة (أرجوحة سيسو ) ليس  كمثله عندي أضخمُ مدينةَ ملاهيٍ في هذا العالمْ .فأينما وليتُ وجهي ثمة مايَسترعي شغفيَ وانفعالاتي وسروري علاوة على ما يغمرني من عطف جدتي  وحنانها الذي لولاه  لبقيت هذه المسميات  من عطف وحنان مجاهيل ومبهمات لا املك لها معناً او ادراكاً .
في الصباحِ تُرسُلني  جدتي  لجلب بعض الخبز من فُرنِ تنور قديم  ذو عقدة حجرية مقوسة  قائمة على عامودين حجريين  كنت اعتقد انه يعودُ لالف سنة او لربما مذ أن كان الانسان ، وكان الذهاب الى ذاك الفرن عبئٌ لا يوازيه عبئٌ على نفسي ، ذاك أن رجلاً سبعينياً  حاد النظرات كحيل العينين كثيف الشوارب  مقطب الجبين يجلس  على يمين  الفرن  بجانب مذياع ضخم  مربوط باسلاك متصلة بغطاء قَدرٍ  مُعلقٍ على عامود خشبي  يعتلي  نافذة الفرن  الخلفية ،  انها الشخصية التي  كانت تُرعبُني وتخيفُني  بحضورها  وعصبيتها  الظاهرة والطاغية على جميع زبائن الفرن ، كان يعبث بقرص  المذياع  يميناً ويساراً يروم التقاط  تردد "هنا لندن"  والجميع يسخرون منه  " اسمها بي بي سي يا ابو طه " ما انكفت  الناس تخبره !  لكن  ابو طه لايبالي بهم  وهو يبحث عن مبتغاه ومرامه فلا صوت يعلو فوق صوت  قرع طبول  الحرب في الخليج التي كانت تلوح في الافق  ويتحدث عنها الناس في مجالسهم وانا كنت الحائر الوحيد بين تلك المصطلحات والاسماء والاحداث  التي كانت جُزء من عالم لم اكتشفهُ بعدُ ولم ادرك  ابعاده  وحقيقته .
توفي ابو طه  واختلطت علي ملامح  وجهه التي غابت عن ذهني  الا باستحضار موسمي واستبدل كل ذاك الخوف والرعب تجاهه  اجلالاً وتقديراً وأسى مني على ما كان مني تجاهه من نفور وصدود حيث أني أُخبرتُ لاحقاً ان هذا الرجل كان يحملني فرحاً بي وانا بعدًُ طفل رضيع لم أدرك وجودي  ، وازيل ذاك الفرنُ القديم  لتقبع في مكانه مخازنُ تِجاريةٌ حديثةٌ بلا روح ، ورحلت جدتي من بيتها القديم  الذي هدم وشيد آخر حديث في مكانه واصبح من الصعب التعرف على معالم  ذاك المكان الفسيح  والاستدلال على موقعه  فكل شيء تغير وتبدل  ولم يعدِ النظرُ الى النجوم يعني لي شيئاً أو يثير لدي اي مُخَيَلَةٍ وفقدتُ تلقائية التفاعلً مع قِصَةِ  الغولة  التي اكتسبت كوميديةً طغت على وحشيتها القديمه وقد صادفت فيما بعد في حياتي من الاشخاص  من كانت الغولة الى جانبهم ملاكاً طاهراً ، اندثرت مدفاءة الحطب بمفهومها وهيئتها القديمة  وتلاشى من الحضور فانوس الجازولين بعد أن اخذت  الرفاهية  والسلم والتطور التقني  المتسارع الناس عن التفكير بعقلية الحيطة والتدبير واصبحنا نرى ذاك المذياع الضخم في المتاحف  وحتى ذاك التلفاز الصغير  الابيض والاسود ذو  القنالين  والذي كنت اعتقد انه احدث تقنيات عصري في ذاك الزمن ، تبدلت النفوس واختفى العطف والود والخيال والشوق والتحمس للتقدم بالعمر لسبر اغوار الابهام ولتحقيق مزيد من المعرفه ولعب مزيد من الادوار ، كل شيء مما كان اختفى  فجاءة او رويداً  وما بقي  حقاً هو حنيني الجارف الى تلك  الطفولة الساحرة  وما كان فيها من حراك واندفاعات  والى ذاك البئر الذي كنت  افتح فوهته الحديدية خُلسةً عن ناظري جدتي  لأُغني عبره ما احفظ  من اناشيدٍ  فيمنحني صوتاً وصدى اجمل بالف مره مما يستخدمونه من محسنات  صوتية في هذا الزمن  المر .   





Friday, December 26, 2014

شاكر النواصره .. بين فيزياء السخرية وأطفال اليابان


شاكر نواصره لمن يعرفه مقيم فيزياء طب نووي في احدى كبريات مراكز  الطب النووي ومايقوم به علاوة على مهامه الوظيفية هي تحويل بواعث الاسى الى قنابل منشطرة من السخرية  ولان اي رمز او صوره تاريخية حزينة من الممكن  ان تكتسب من الكوميدياً من يجردها من مكنونها الكئب  .عرفت شاكر  قبل ماينوف  عن عشرين  سنه  كان فتتاً ذكيا منكفى ومنطوي  ومغرم اي غرام باطفال اليابان الذي كنا نراهم نحن جيل لبيبه  ولبنى السريعه  حالة  استثنائية من العبقرية والنبوغ  المبكر .. اما اذا  سئلت شاكر في صغره عن طموحه  فانه كان يجيب بكل بساطة  اريد ان اصبح  كاطفال اليابان ،  هذه الرحلة المبكرة الى اليابان  افرزت  الينا شاكر  بتركيب سايكولوجي مخنلف يجمع  ما بين قوة الثقافة والاطلاع  وقوة الدعابة  والكوميديا الخلاقة  التي خلقت منه شخصية بارزة في محيطها الاجتماعي  محبوبة ومرغوبة  وقوة  طموح جارف  لا تعرف الهزيمة ولا الاستسلام ، ثلاثة  قوى يتمنى احدنا  احداها ،  شاكر الذي المت به الاحزان  من كل جانب  خاطفة من منه اقرب  الناس اليه  تارة  بداعي  الموت وتارة  بداعي  البعد وتارة تحت وقع المقتضى والضروره  كان قادراً وبشكل عجيب  على تحدي الالم  بسخرية  عارمة  ودفعنا للقفز من صفحة  الجمود الى سماء  الغبطة والانشراح ، شاكر  الذي تعجبني فلسفته في ادارة الامر الواقع  ورؤيته  لكيفية النجاة  وأن الموهبة  بلا تسويق هي  هراء على قارعة طريق الايام  وانت تدير  الامور  من الصفوف الخلفية لتبقى يوماً في المقدمة  ان تصنع تلك الاكتاف والسواعد التي تحملك نحو المجد لا ان تنتظر عطفها .. شاكر .. ومذا عن رحلتك المبكرة الى اليابان .. هل انتفت الرغبة ام انقلب المفهوم .. ام انك لازلت تملك القدرة على الحلم  عندما تنظر الى  النجوم ... شـــــاكر ( استغفر ربك )  جملة لا يدرك مغزاها الا قله  ومن يعلم  ما تصيبنى به ذكراها من  اتساع فمي متشدهاً ضاحكاً  من خوالي تلك الايام البريئة .. شاكر  انت على بعد خطى قليله  استمر في المسير .. انه قريب جداً .

 


Friday, October 31, 2014

كيمياء العاطفة والفيزياء العقلية ( الجزء الاول)

حسناً، دعوني ابوح لكم بادِئَ ذِي بدْءٍ ان ما أروم الحديث عنه تحت هذا العنوان يعبر بشكل أو بآخر عن مسألة قديمة طالما راودت بُنيات افكاري كومضات هاربة عجزت عن اصطيادها واحتجازها ودون أن تسعفني قدرتي المحدودة على الاسترجاع والتصوير التعبيري  وتطويع المفردات اللغوية للخروج  بترجمة  حرفية  لما يدور في ذهني المشوش  بالهواجس  المتصادمة من مبهم الافكار المتلاشية كقطرات الندى المنسابة على اوراق شجيرة وحيدة في مهب الريح ، غير أني وغير آبه  بما تستدعيه الحالة من مقتضيات استجلاب التفكير واستخلاص الفكره  قررت أن ابدأ بتدوين هذا المفقود المتبعثر هنا وهناك وعلى  النسق الذي يوصل الحد الادني مما اريد قوله  وبكل ما يستلزمه الأمر من استحضار جبري  وعصف ذهني وقمع  لاي استفاضة خارج السياق  تخلق تشعباً وتشابكاً في المسألة وفناجين قهوة متتابعة وحظر تام لاي همسة ممن حولي  فأنا بحاجة لانفصال تام عن اعباء الحياة  من اجل رحلة بحث عن طرف الخيط الذي يدلني عى البداية الصحيحه وكما ينبغي لاي طرح ان يبدأ،  وحيث أنني لا استطيع أن ابني موضوعاً حقيقياً بلا افكار  فلا يمكن للبيوت أن تبنى بلا طين عمدت الى تشييد افخاخ فكرية هنا وهناك على امتداد خطوط تركيزي لتعزيزي فرصتي بامساك احداها فيما لو داهمتني على حين غرة قكرة ما من هذا القبيل مستعيناً بدفتر صغير يرافقني اينما حللت وارتحلت  ومسجل صوتي احتوته تطبيقات هاتفي الجوال المتخلف عن ركب مسيرة اقرانه الذكية ! وبالفعل واعتماداً على تلك الوسائل بدأت تسجيل  القصة لحظة بلحظة  بتروي وصبر والتي  بدا انها لن تنتهي لو اطلقت العنان للاسترسال والتشعب .

يقول اسحاق نيوتن في قانونه  الاول أن  الجسم يظل على حالته الحركية (إما السكون التام أو الحركة في خط مستقيم بسرعة ثابتة) ما لم تؤثر عليه قوة تغيره من هذه الحالة." وبأسقاط  هذه الملاحظة الفيزيائية على ظاهرة سايكولوجية بحته كالعاطفة  فأنه  يمكننا الخروج بنتيجة مهمة  تمكننا من تبسيط وتفسير الكيفية  التي تعمل من خلالها منظومة المشاعر المتصلة بالعاطفة كقوة متدخلة ومؤثرة ، وحيث أن اي فرد في هذا المجتمع وعلى الاغلب يضع في اعتباره عدة قواعد عقلية تشكلت بالتراكم المعرفي والتجريب ومما سمع ورأى وقرأ حفزت لديه سمة التحفظ والحذر في مسيرة  حياته المتسمة بالروتين والنمطية و ندرة وجود تلك المنعطفات التي تخلق انتقالة ما من واقع الى واقع مالم يتدخل القدر بقوة وعنف احياناً ، فتبدو مسيرة الانسان ونمط معيشته حركة شبه مستقيمة باتجاه واحد  على خط افقي قليل التعرج بوتيرة ثابته دون توقف او تزايد او تناقص في السرعة حتى  تلك اللحضة التي تأتي فيها اشياء لا سلطان للحذر والتحفظ عليها اشياء تدخل كقوة مؤثرة تدفع الانسان للخروج عن السكة المرصوفى الى مسارات اكثر مرونة وحرية  كقوة العاطفة  فقد كانت العاطفة قادرة دائماً وبشكل ما على تغيير مسار الدفه والمضي في سبيل آخر وخلق الدوافع والمنطلقات المحفزة  ،  والتفسير  العاطفة  اعتماداً على تفسير  فيزيائي لحركة فيزيائية مجرة من اي اعتبارات سايكولوجيه هو تفسير  معقول طالما اننا نقارن هيئة بهيئة  تشتراكان  بالشكل والاثر ويمكن اسقاطهما على بعظهما تبادلياً ، فنيوتن يتحدث عن قوة  تغير من  الوضعية الفيزيائية لجسم متحرك او ثابت  أما تدفعه للتوقف او الاستمرار في الحركة او التحرك على نحو اسرع وكذلك قوة العطف التي
تدفع القلب  لوظائف اضافية أخرى خارج اطار الفيسيولوجيا ، ليصبح وحدة رقابة وتنقيح نهائي   لكل ما يصدره العقل  من قرارات ونوايا ! لكن عن اي عاطفة نتحدث ؟   هل هي الرومانسية الدراجة في ثقافة اليوم  من حب وغرام وهيام يحيط بأنثى جميلة جذابة ام انها عاطفة اشمل واكبر  وأسمى !  ولعلها تلك  العاطفة  التي  وصفها الشاعر القدير المحترم علي الهويريني  بعاطفة (يابن أم) في اشارة  لرجاء هارون لموسى بحق الاخوة في سورة طه الاية (94) ، انا اتحدث عن  تلك العاطفة  التي  تدفعنا للشعور بكل ما يمكن أن يشعر به الآخر من الالام ، العاطفية  في ذهني  هي  ما دفع جان فالجان  لتبني الطفلة كوزيت في رائعة فيكتور هيجو ( البؤساء)  انها تلك القوة العجيبة  التي تسري  في العروق تخلق قابلية بعد تمنع  وامكانية  بعد استحالة ومرونة  بعد جمود صنمي طويل ،  أنه ذاك الشيء  المحفوف بالاسرار والمحاط بالحكايا .
من جهة أخرى هل يجب أن تكون العقلانية النقيض المفترض للعاطفية !! وهل العقلانية  قمع وتحييد للعواطف ؟! برأيي أن العقلانية المجردة من اعتبار عاطفي قسوة تصل حد الاجرام وأن العاطفية  المجردة من من المنطق  هوس وتهور  يعاب على صاحبه وينتزع من الاهلية والقدرة تحمل مسؤولية بسيطة حيث أنه  وكما تعلمون احياناً تمزج المتناقضات لنحصل  شيء متجانس وضروري ، فالماء  عنصر الحياة  وظمانها  يتكون  الاكسجين(H2O)  والنيتروجين  (N)   النيتروجين مادة مشتعلة والاكسجين  مادة مساعدة على الاشتعال لو انفصلا عن بعضهما  لحرق عنصر الحياة كل ما على هذه الحياه  لكنهما وجدا في اطار  متماهي متمازج  ليهب الماء حياة كل ما على هذا الكوكب من كائنات حية  والعاطفية  والعقلانية كل واحد متمازج ومتناهي لان الاستماع  لصوت القلب ونداء الضمير  فكة العقلية  والمنطقية  والالتزام  بالاطر العقلية الحقيقية والحكيمة  ليست تلك المترددة والجبانة او  المحددة بمحددات اجتماعية ( ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق) هي عقلية منسجمة مع العاطفة طاردة لاعتبارات (هذا ما وجدنا عليه آباءنا ).


- يتبع -

ليس من المفترض ان يكون هناك صراع  بين العقل والقلب 
              

Saturday, September 13, 2014

الخلاص من شوشانك - مهند محمود

غلاف رواية ستيفن كينغ
شوشانك  هو سجن متخيل  في احداث رواية للكاتب  ستيفن  كينغ  تحت عنوان ( ريتا هورث  والهروب من شوشانك) صدرت في العام 1982م  وتم اخراجها فيلماً سينمائياً  على يد  فرانك داربونت  في العام 1994م  من بطولة تيم روبنز  ومورغان فريمان  ليصنع بذلك  واحد من اعظم الافلام  في تاريخ السينما الامريكيه واكثرها عمقاً وتأثيراً ،  وعندما حضيت  بمشاهدة الفيلم للمرة الاولى  قبل سنوات  بلغ بي التأثر موضعاً لم يبلغه مع اي فيلم آخر ، ذلك أن نهايته الغير متوقعه  اصابتني بدهشة عارمة  اقرب ما تكون للصدمة الخلاقة ! ففي افلام كثيرة وحكايا عديدة  كان لدي كما غيري القدرة على توقع المآلات والاحداث  بناء على درامتيكيا بداية القصة ومنتصفها  واحداثها الجانبية  ربما استثني من ذلك اعمال دان بروان  كشيفرة دافنشي  لكن  الخلاص من شوشانك  كان مفاجئة مدوية في نهايته تدفعنا للتفكير بشكل مختلف بما تحمله من معاني صريحه وضمنيه وادانة  مباشرة لنا في كل مره حملنا فيه اليأس على الرضوخ لمنطق الواقعية ، ونهاية شوشانك فسرت بالمطلق  كل ما كنا نظنه نمطي واعتيادي  في احداث الفيلم  على نحو آخر وشكل مختلف ، فهي  تطرح مفهوما مختلفاً للامل  عما اعتدنا عليه ، فهو ليس  بالضرورة  مخدر لتجاوز الالم والاسى  بل هو  ما يمكن ان يمنحنا ذكاء استراتيجي  عبقري  للنجاة مما نشهده  من عناء  والتوصل  لحلول خلاقة  في أوج الازمة ، حلول قد تكتسب للوهلة الاولى  من الاستحالة ما يجعلها تبدو خيالاً محضاً  لكنها في الحقيقة افكار بسيطة من رحم الطبيعة والبديهة  فقط  بالتحلي ببعض الامل بعيداً  عن دعوات التعايش والتكيف القسري مع واقع مزعج  نحيا فيه عبيداً .
تدور احداث  الرواية الفيلم  حول المصرفي المرموق اندي دوفرين  الذي تقوده اقداره  الى سجن شوشانك  محكوماً عليه بالمؤبد  بعد ان اتهمته المحكمة ظلماً  بقتل زوجته  وصديقها  وبعد أن  بائت كل مرافعاته بالفشل  في اقناع المحكمة ببرائته ، ويجد أندي نفسه  يخسر  زوجته  وبيته وعمله وحياته  وفوق كل ذلك يخسر حريته  ويجد نفسه في مكان لاينتمي اليه ولا ينبغي ان يكون فيه لكن  مجبر على ان يكون جزء منه وبعد رحلة عناء وعذاب طويلة لم يجد فيها الانهيار طريقه اليه  رغم  كل ما تعرض له من اعتداءات وانتهاكات حافظ فيها على رباطة  جأشه وكون فيها مجموعة من الاصدقاء الذين تقرب اليهم  ومنهم  ريد ريدنج  المحكوم عليه بالمؤبد  ايضاُ لجريمة قتل ارتكبها  وهو حدث صغير  والذي مضى على وجوده في شوشانك  ما ينوف عن العشرين عام فشل من خلالها في اقناع اللجنة المختصة في الحصول  على اطلاق سراح مشروط  يمكنه من  الخلاص من  اسوار شوشانك  البغيضة  لدرجة  اصبح يشعر فيها أنه جزء من المكان الذي  طالما كرهه واجبر على ان يعتاد عليه  ويتعايش مع فكرة  انه لن يخرج من هنا الا جثة هامدة ، اما أندي دوفرين فموهبته في الاعمال المصرفية تنقذه  اخيراُ  من الوقوع ضحية للمضايقة والتحرش والاعتداء بالضرب من قبل مجموعة من السجناء  فيحضى بنوع  من الحماية  بعد ان قام  بتقديم حلول مالية بارعة  لتسوية ضرائب  حراس السجن مع مصلحة الضرائب ولتحقق لهم الحد الاعلى  من المنفعة  ثم ان حراس السجن يلفتون نظر  مدير السجن  له ولمواهبة  في العمليات المصرفية  فيسعى مدير السجن  لمقابلة آندي  وتقييمه  ويعرض عليه بعض المزايا الخاصة كالعمل في مكتبة السجن  بما يتناسب مع ثقافته  مقابل ترتيب عملياته  المصرفية  والتي اكتشف اندي انها  تظم عمليات غسيل اموال واسعة  ، كان آندي  سابقا قد طلب  من ريد  تدبير معول صغير وهو المعروف بانه يستطيع تدبر اي شيء من خارج السجن عن طريق شبكة علاقات ورشى مع حراس السجن  ، وبالفعل  قام ريد باحضار  المعول الصغير  لاندي  بعد ان سخر  من شكوكه بأن اندي يريد استخدام المعول في حفر  الحائط  لانه وبمعول بهذا الحجم  ربما احتاج اندي لمئة عام  لكي يحفر  فتحة عبر الجدار ، لكن اندي  اخبر  ريد بانه يريد المعول الصغير لممارسة  هواية سابقة بنحت الاحجار  الصغيرة ، في تلك الفترة كانت ريتا هورث  نجمة السينما  الخاطفة للاضواء والملهبة لمشاعر  النزلاء  وشغفهم  حيث كانو  يشاهدون فيلمها كل اسبوع  من اجل  مشاهدة مشهد لها وهي  تنهض برشاقة لتنفض شعرها الطويل بكل جاذبية وسحر  كان  يدفعهم لاطلاق صيحات اعجابهم مع التصفير احتفاء بتلك اللقطة ، كانت ريتا هورث تداعب
الراحلة ريتا هيوارث نجمة السينما الامريكية
خيال كل واحد منهم  ولعلها كانت الشيء الوحيدالذي يحافظ على قدرتهم  على استيحاء الجمال وتذوقه ، يطلب أندي من ريد  طلباً آخر لا يقل  غرابة  عن طلبه لذاك المعول  الصغير  التافه ، فهو يريد  ههذ المره  ملصقاً جدارياً  للجميلة ريتا هورث  ليصلقه على جدار غرفته وفعلا لم تمضي ايام  حتى استطاع تدبر ذاك الملصق له ولكن  هذه المره مجاناُ  عربون صداقة ورفقه ، وفعلاً يقوم أندي  بلصق  الصورة على جدار زنزانته ، تتغير وقائع  القصة  بقدوم نزيل جديد  منقول الى شوشانك من احدى  الاصلاحيات الاخرى  وصدف انه ذات مره اخبر  آندي وريد  بأمر غريب ومثير  حيث انه في سجنه السابق صادف احد السجناء الذي شاركه في زنزانته واخبره  عن قيامه بقتل زوجة  مصرفي  وعشيقها  وانه تم  اتهام زوجها  بالجريمة وحكم عليه بالمؤيد .. حذه القصة  وكأنها بثت  الروح من جديد  في جسد اندي المتعب  حيث انه أخيرا وبعد كل تلك السنوات  ثمة دليل معتبر على برائته  ، لكن مهلاً ! فقضية وجوده في شوشانك  لم تعد مرتبطة  بقادانته بجريمة قتل  بل اتخذ الموضوع منحى آخر  حي أن اندي  مطلع بشكل او باخر على تفاصيل عمليات غسيل  الاموال التي يقوم بها مدير السجن والذي لايمكن له ابدً ان يسمح لاندي ان يكون خارج اسوار شوشانك  مهما كان  الثمن لان حرية آندي  هي سجن مدير السجن  بلا شك  بناء على ما يعرفه اندي  ، وعندما ابدى  ذاك السجين استعداده للشهادة لصالح آندي  تمت تصفيته  باطلاق النار عليه من احد حراس السجن بآوامر مباشرة من مدير السجن  تحت ذريعة انه حاول الهرب ،  شعر آندي بخيبة أمل عارمة  وقهر شديد  اضرب عن العمل  لصالح مدير السجن لكن السجن الانفرادي لمدة شهريين  وآمر آخر غامض اعاد آندي  للعمل لصالح  مدير السجن  لكن  بروح شديدة الحزن والتعاسه  لاحضها صديقه ريد  وأدرك أن اندي لم يعد كما كان  ولم يعد بتلك القوة التي بدا عليها  وان الانهيار لربما سيجد طريقه اليه هذه المره ، اصيب ريد بالقلق على صديقه المقرب الذي طالما حدثه عن اهمية الامل  وشاطره احلامه بالخروج  من هذا السجن البغيض ليعمل على مشروع حياته باقامة فندق صغير على شواطئ المكسيك  ويعمل على صيانة يخت صغير واصلاحه  للابحار  على امتداد المحيط الهادئ ، فجاءة  لم يعد آندي يتحدث عن تلك الاماني والاحلام اصبح اكثر ميالاً للصمت والوحدة من جديد  شعر ريد  أن آندي سيقوم بأمر  ما  وتعزز يقينه بذلك بعد ان علم بأن اندي قام بطلب  حبل  من احدى نزلاء السجن !  بدى كل شيء وكأن لحظة النهاية قد حلت  وشعر ريد بأنه لا شيء يمكنه ان يفعله   ليغير  مما يمكن ان يقدم عليه ريد  من نوايا يجهلها  لكنها قد تفقده صديقه الاستثنائي  الى الابد ،  في تلك الليلة  من ليالي الشتاء  يأتي موعد نوم النزلاء بعد ان أدخلو مهاجعهم  وأطفئت  الانوار  ويعجز  ريد عنه النوم تماماً  في تلك  اليلة الطويلة  وهو يجهل مصير صديقه آندي  الذي بات على قناعة بأنه ينوي وضع حد لحياته بشكل أو بآخر  كما انتحر من قبل  امين مكتبة السجن العجوز عندما  تم اطلاق سراحه  بعد ان عجز عن التكييف مع واقع الحرية  وهو الذي قضى جل سنوات عمره في سجن شوشانك ، اخيرا حل الصباح  وفتحت ابواب  المهاجع الكهربائية  وخرج  النزلاء في صف طويل لتبدأ عملية تفقدهم  وعدهم  نظر ريد  الى باب  مهجع اندي  لم يرى اندي يخرج  مما أكد هواجسه ومخاوفه  قام  المفتش بالمنادة على اندي لم يكن ثمة احد يرد  قام المفتش بالصعود  نحو المهجع  عاضباً  وكانت المفاجئه  التي حلت كالصاعقة ! اندي لم يكن موجوداً  في مجعه  لقد اختفى بشكل ما ، جاء مدير  السجن  مدججاً بالحراس يستشيط غضباً بشكل هستيري  اعلنت الطوارئ  لقد اختفى  آندي  من داخل زنزانته المغلقة ، حدثت معجزة ما التهمته  من داخل مهجعه  امسك  مدير السجن ما تبقى من اغراض اندي ومتاعه واخذ يرميها  في كل مكان ، اخذي يرمي حجارة صغيرة كان ينحتها آندي  على  الملصق الجداري  لريتا هيوارث  بكل قوة وسخط  ، لكنه انتبه الى ان  الحجارة الصغيرة تلك اخترقت الصوره ، اقترب منها ومد يديه  لتدخل  بالكامل الى الداخل ازاح  الصورة عن الجدار  ، فتح فمه مندهشاً  للغاية !  لقد حفر اندي  نفقاً  الى الخارج  من وار ملصق ريتا  فما لم يعلمه مدير السجن  ان لآندي  مواهب اخرى  غير الاعمال المصرفية والحسابات  المالية  فهو ضليع بالجولوجيا  وكان  يعرف جيداً  تكوين طبقات الارض  وتركيبها  وان حفرة ما  لكي تتشكل  فأنها تحتاج  الضغط  مهما كان محدوداً  والزمن  وقد كان  لديه الكثير منه  الذي لم يهدره عبثاً  فحفر طوال تلك السنوات  بادة  صغيرة  نفقاً قاده الى انابيب المجري الكبيرة التي زحف من خلالها  عبر القاذورات التي لا يمكن تصورها نحو الحرية والخلاص !
ملصق الفيلم 
عندما اكتشف  مدير السجن النفق كان اندي قد قام  بسحب ودائع  عمليات غسيل الاموال الخاصة بمدير السجن واحدا تلو الاخر بواسطة اوراقة شخصية مزورها اعدها بمساعدة مدير السجن نفسه  حتى لا تطاله شبهات الاحتيال ،  لقد انتقم  حقاً من مدير السجن  واجهز عليه  خصوصا عن ارسل ملفاً عبر البريد الى احدى الصحف الكبرى  يحتوي وثائق فساده واحتياله مما دفع  مدير السجن للانتحار خشية القبض عليه ،  وصل آندي  الى شواطئ  المكسيك بعد ان تمكن من عبور الحدود  وشرع في بناء فندقه الصغير  على شواطئ  الهادي  .. اما ريد فأصبح للامل معنى آخر في ذهنه  وانقضت بعض السنين  ليحصل على  اطلاق سراح  مشروط  ويلحق بصديقه آندي  الذي كان يعرف ان يكون .
انتهت وقائع  الرواية  واحداث الفيلم على هذا النحو  ولم تنتهي تأثيره عند تلك النقطة  بل امتدت  لتعيد بناء جملة من  المفاهيم  على رأسها  مفهوم الامل الذي كان يبدو لي  محاولة  امتلاك  بسمة خفيفه  للتغلب على احباطات  الواقع  محاولة تجميلة  لواقع العبودية  والانقياد لاعتبارات  اجتماعية  بداعي السلامة  وتجنب المواجهه ، آندي وجد  خلاصه في ملصق جداري لريتا هيوارث  ومعول صغير  قد يصلح  على الاكثر لدق حبات الجوز لا اكثر  وكثير منا  تحيط حوله الكثير  من المعطيات والادوات  ويعجز  بشكل كلي  عن توظيفها  بشكل  يمنحه الخلاص  .. الامل أمر جيد  لكنه يجب ان يكون أمل استراتيجي .
أندي يبعث رسالة  لريد  بعد تمكنه من الخروج  يقول فيها " تذكر ريد ، الامل هو أمر جيد
  ربما هو افضل الاشياء  والاشياء الجيدة  ابداً لا تموت 


Monday, September 8, 2014

الراحل عمر الخطيب وجاذبية المعرفة

لي  مع الراحل الدكتور عمر الخطيب  قصة  عميقه  ابتدأت مع مطلع تسعينيات  القرن المنصرم وبرنامجه الجماهيري الشهير " بنك المعلومات "  وحيث انه وكما تعلمون  كان البرنامج يقدم عدة جوائز  نقدية وعينية  ومن ضمن تلك الجوائز ، جهاز حاسوب ! ذاك الشيئ الذي طالما اخصب خيالي واثار شغفي  وجوارحي  ففي ذاك الوقت  لم تكن  هذه الحواسيب منتشرة  كما هو الحال في هذه الايام بل كانت على درجة عالية من الندرة ومحدودية الانتشار  وارتفاع السعر !  كان جهاز الحاسوب  مع عدم  امتلاكي دراية  بتشغيل نظمه وتطبيقاته في ذلك الوقت صورة  متألقة وجذابة  لا تختلف عن جهاز الحاسوب الذي كان في كرتون الاطفال " لبيبه " التي كانت تلج فيه لتذهب فيه في  رحلة علمية عابرة  الحاضر نحو الماضي والمستقبل  وكأنها تستشرف حاضرنا مع شبكة الانترنت  التي يكن معروفة او منتشرة شعبياً في ذلك الوقت  فاجهزة الحاسوب كانت محصورة  بمراكز لحاسب في الجامعات وبعض المدارس الخاصة المرموقة  والمراكز الثقافية ، و الراحل عمر الخطيب عبر  برنامجه قدم لي فرصة شخصية لان احلم بامتلاك واحد من تلك الحواسيب لاتعرف عليها عن كثب ذاهباً بخيالي بعيدأ ان تقودني الخطى ذات مره الى المركز  الثقافي الملكي  في العاصمة عمان حيث  كان  يصور  البرنامج  لعلي احضى بفرصة للاجابة  على سؤال  الجمهور الذي  يمكنني من السحب على تلك  الجوائز  وتكتملل القصة السعيدة بأن انال  جائزتي التي اريد !  وهنا تستعيد ذاكرتي الحسية  طبيعة  تلك المشاعر المستائه  التي كانت تنتابني  اذا  ما شاهدت احدهم  وقد نال  جائزتي  التي كنت  احلم  بها  وكم اني شعرت بالسعادة ذات مره  عندما  عقدت  صفقة  مع احد اقراني في المدرسة  بأن يعطيني احد الاقراص المرنه  (Floppy Disk) المغناطيسية القديم وعليها احدى الالعاب البدائية مقابل  مصروفي  على أمل ان يأتي في يوم قريب ذاك الجهاز العجيب  الذي يمكنني  من تشغيل ذاك القرص الاصم .
أما الراحل  عمر الخطيب  فكانت  الشخصية التي تلهمني  بكل  ما تعنيه  الكلمة  من  معنى ففيه  تجسدت في ذهني صورة ذهنية  مبكرة  لما يجب  ان يكون عليه  حاملي   درجة  الدكتوراه  ونبوغه  حرض في داخلي  حراكاً لمعرفة من كل شيء شيء  في وقت جعل فيها الراحل الخطيب المعرفة  الشمولية جذابة جداً  بما ظهر عليه من كاريزما شخصية  اضفت على  حضوره  العلمي  هيبة ما للثقافة  والمعرفة  في وقت  اخذت فيه الناس تتباهى  بالقابها واموالها  ضرب  الدكتور  عمر الخطيب  مقياساً اخر  بما يمكن ان يصنع  لنا حضورا  حقيقياً وفاعلاً  انه  العلم  والمعرفه والقدرة  على العطاء  وليس أي شيء اخر  فعندما  تملك القدرة  على الانتقال  من اللغة لعربية  الى اللغة  الانجليزية وآدابها  ثم العروج على حقل العلوم  والابحار في عمق  التاريخ  واستكشاف  المعالم  الجغرافية  والديمغرافيه  لهذا الكوكب  والالمام  بالمبادئ  البسيطة التي  تشكل الكيفية التي تعمل بها الاشياء  فأنت ذو معرفة شمولية تستحق الانتباه والتقدير  بغض النظر عن ماهية التخصص الاساسي  فتعدد الاهتمامات وحقول البحث  ليست فصاماً ذهانياً  بعبر عن حالة  صراع  بين دوافع شخصية  مختلفة  من منظار فرويد  التجريبي  فالعلم  كل واحد مترابط  الاجزاء كل جزء يمكن ان يكون في خدمة الجزء  الاخر .. لكن  لماذا  تبدو المعرفة الشمولية  في حالة عمر الخطيب  مغرية جدا  هل لما ترتب  عليها من ظهور اعلامي مدوي  أم أن في المسألة جانب اخر يتعلق  بالدوافع الشخصية ؟ فهل نعمل ونتعلم ونسعى لاكتساب كم اكبر  من المعرفة  لتحقيق رسالة ما أم لنحضى  ببعض من ذاك  التقدير الاجتماعي  التي تحضى  به النخب التي تقود مسيرة المجتمع الحضارية ؟  مالذي يدفعنا لأن نقرأ ،لأن نكتب ؟  هل رغبة  في الافادة والتوجيه  والتأثير في  البيئة المحيطة  واغناء المدارك  أم رغبة في الظهور  والحصول على  الانتباه والاعتبار ؟ ولماذا ترسم ؟  هل لتجاوز  القصور في توظيف  المفردات اللغوية  في تعبير مطلق ام  انه  اشعار ملون  بالوجود ؟ ولماذا نخترع  ونكتشف ؟ هل لتحقيق سبق تاريخي  واشباع فضول علمي  أم انه حراك  نبيل  للنهوض بالبشرية ؟ ولو  ان الفيزيائي وضعته في حيز الشهرة مقطوعة موسيقية ما  قام بتألفيها أكان سيشعر  بحاجة الى الاستطراد في حقول الفيزياء  للحصول على اكتشاف ما  بشكل اضافة للبشرية ؟ 
في  حالة  عمر  الخطيب أنها  متعة  العطاء  لا شهوة الشهرة  وعندما لا تتبدل وتتغير  عندما تتبدل وتتغير  البيئة الحاضنة  سلباً  فهذا يعطي  مؤشر  واضح وقاطع  لحقيقة دوافعك  وعمر  الخطيب  لم يتغير  ولم يتبدل ولم يدر ظهره  لرسالته المعرفية  عندما سلكت المنظومة  الاعلامية العربية اتجاهات اخرى سطحت من خلالها  الثقافة   وجعلت المعرفة  على  اجندتها تشهد اضمحلالاُ شديداً لتنحدر نحو الدرك الاسفل من الفشل  الاعلامي  وتوجيه سلبي ممنهج للفكر الجمعي العربي  وهو ما تحدث  عنه صراحة ذات  بغاية الالم  مع الفنان الكويتي داوود حسين  في احدى برامج التوك شو على قناة فن الكويتية  قبل عدة سنوات .

وربما لو قدر لبرنامج  الخطيب  الجديد  الذي تحدث عنه في برنامج داوود حسين ان يرى  النور لكان  لنا قصص  اخرى ومواضع غير متناهية من الالهام والتحفيز  الشخصي  واتشعار  متعة العطاء ، واذا  ما كان  المنطلقات والحوافز الشخصية  تصب في صالح الجماعة  كما يرى  رائد الاقتصاد وعلم الاجتماع المفكر الاسكتلندي أدم سميث  فأن العطاء  كرغبة في  الاتصال مع الموجهات الفطرية في تقديم العون للاخر  هو  الناهض  الحقيقي  بالمجتمع  ككل  لان الحوافز الشخصية  وتعظيم  الانا قد  تنقلب وبالاً  على المجتمع  أما  الرغبة في العطاء فتقفز عن كل ما عداها من اعتبارات  لتؤدية رسالة جميلة  مشفوعة بشغف المعرفة ومتعة الاكتشاف ولتتشكل في النهاية تلك الصورة بالغة الجمال  والجاذبية  للثقافة  والمعرفة .
توقف  برنامج بنك  المعلومات  وارتقى صاحبه الى بارئه  وامتلكت  جهاز حاسوب قبل 12 عاماً وانتهت نهائياً  تلك الصورة الغامضة الخيالية المرتبطة  بهذا الجهاز  ودخلنا عصر الانترنت  على مصرعيه  ودخل  المسرح ظواهر جديدة كمواقع التواصل الاجتماعي  والمدونات  والموسوعات  والنشر المعرفي المصور ..  لكن كل ذلك  الاتساع وكل تلك المنظومة  بكل تلك الطواقم الضخمة التي تقف ورائها  لم تخلق للمعرفة تلك  الجاذبية  كما خلقها ذاك الرجل الظاهره  .... عمر الخطيب ملهمي ومعلمي .. رحمك الله . 

Monday, August 4, 2014

عندما ينقلب الفيس بوك على مستخدميه


أنه مجاني وسيبقى كذلك (  It’s free and always will be) ، عبارة طالما رأيناها في الواجهه الرئيسية لموقع فيسبوك كلما رمنا الولوج  اليه ، في رسالة تأكيد وتطمين للمستخدمين ان خدمات فيس بوك الروتينية ابداً لن تكون  الا مجانية  وهو التأكيد الذي بدا انه أخذ يتهاوى ويفقد صدقية مضمونه  في الاونة  الاخيره بعد  ان قام مجلس ادارة  الشركة بالاعلان  عن أنه وانطلاقا من حرص فيس بوك على صون خصوصية  مستخدميها والحد  من الاساءة والمضايقات التي يتعرض لها المستخدمون من رسائل الغرباء فأنها  ستحول  مسار  الرسائل الخاصه الموجهه لمشتركي  الفيس بوك  غير المدرجين قي قائمة الاصدقاء  لتحل في ملف الرسائل الاخرى التي قل ما تثير الانتباه او الاهتمام بدلاً من صندوق الوارد  متجاهلة  ان  الفكرة الاساسية التي قام عليها موقع  فيس بوك  هي امكانية البحث والتواصل بلا حدود او قيود وهو يحاول الافتراض  الان بأن  كل من نعرفهم في عالمنا ومحيطنا الواقعي ماهم الا المدرجون على قائمة  الاصدقاء  في حسابتنا وأننا لن نحتاج الى مراسلة  من هم  خارج  قائمتنا او من يوجد بيننا وبينهم اصدقاء  مشتركون ويدخل كل محاولة  لمراسلة احدهم في خانة  انتهاك الخصوصية  وكأن المستقبل لا يملك ان يتجاهل ما لايعجبه من رسائل ويحجب مصدرها ويبلغ عنها لادارة الموقع ، لكن المسألة تتضح اكثر  مع استطراد الشركة الذي يكشر عن انياب شجعها  وانقلابها على ما تعهدت  به لمستخدميها  فتقول  بشكل او بآخر لا يخلو من  التحايل  انها ستتغاضى كلياً عن كل ما ساقته من مبررات لاجراءاتها الجديدة  المتعلقة بارسال الرسائل الخاصة  لغير المدرجين  وليذهب  كل ما تحدثت عنه  من صون الخصوصية وحماية المستخدمين الى الجحيم فقط  بدفع  دولار  واحد عن كل رسالة نرغب بارسالها الى من لا يتواجدون على قوائم اصدقائنا ، وهنا تتضح المسألة  بلا ادنى  لبس  فالدافع اقتصادي محض ولا تحدثني  عن صون زائف للخصوصيه . انه شجع الشركات  العملاقة وهوس الاستحواذ والتربح ، وما لا تعرفه فيس بوك أو تتغافل عنه  ان شعبيتها الواسعة لن تمنحها  الخلود  الذي لم تناله  التطبيفات الاولى  لشركات رائده  وعملاقه استخفت بمستخدميها فانصرفوا عنها  ليضعوها على مسار  الانحدار  فالتلاشي  لان ولاء  المشترك يتحقق  بشعوره  بحرية التعبير والوصول والتواصل  لا بالحد  من حركته  والدفع بما يعتمد عليه من مزيا مجانية لتكون مأجورة فالكلمة  ميثاق شرف وطالما قال فيس بوك  ان مجاني وسيبقى كذلك فلا بد اذاً ان يبقى كذلك  على الرغم من أي اعتبار اخر .    

Monday, July 21, 2014

لماذا الوجهه الى الى الماضي في أي رحلة زمنيه ممكنة


" ذات مره سئلت  عبر أثير بي بي سي العربية من لندن  عن ماذا كنت سأطلب من آلة الزمن أن وجدت  فأجبت أن ليتها كان الة تعود بنا الى الماضي  لعلنا  نبدد معها بعض ما اكتنف مواقف عديدة  من غموض وما صاحب منعطفات كبيرة من ابهام  ونفيت أي رغبة مني لاعرف أحداث المستقبل لاني اعتبرت اني بذلك سأقتل ما تبقى لدي من شغف المعرفه ومتعة ، وهنا سئلني المذيع عن أسباب هذا التعفف في المضي  في رحلة نحو المستقبل فأجبته أنه ليس تعففاً بقدر  ماهو تجنب لحالة  نزاع وصراع بين فضولي الفطري لمعرفة  ما سيكون  وبين  قناعتي بان معرفة ما سيكون سيحد من قدرتي على الحركة  وستجعلني عبارة عن كائن ينتظر ولا يملك من امره شيئا "

لم يكن هذا الحوار المرة  الاولى التي اشعر بها نوعاً ما برغبة عميقه في العودة  نحو الماضي  لا المستقبل الذي بقيت اراه حيزاً من الغيبيات  الذي يتقلص شيئاً فشيئاً كلما طالت بنا هذه الرحلة  العمرية  انتهاء  بلحظة  الوضوح المطلق التي تغادر بها الارواح  الخالده هذه الاجساد البالية ،  لكن لماذ يريد عدد لا بئس  منا العودة للماضي وهل هناك  في الماضي ما هو اهم  من المستقبل  الذي اذا ما عرفنا لربما استطعنا تجنب الحفر التي تملئ الطريق .
الاجابة  في ذلك تكمت في فهم  ماهية الحاضر  المتحرك  الذي ينقل معنا عابراً الازمنة  والحاضر  هو امتداد  للماضي  وكذلك  المستقبل  فهو  يعتمد كلياً على قرارات اتخذناها في الماضي ونتخذها الآن  فما مضى  ما زال مستمر التأثير  وحياة الانسان مليئه  بالمسائل العالقة  في جوانب كثيرة لا يمكن ان تمضي قدماً الا بتسويتها فعندما  يقال ان لشخص ما ماضي محزن  فكيف له ان يعرف طعم  الفرح وكيف لفاقد الشيء ان يعطيه .. هنا تكمن المسألة  وهنا السبب الاكبر في دفعنا  لعودة  نحو  فترات زمنية  سابقة بذهنيتا الحالية  لنعالج اسباب ما يؤلمنا اليوم  ويشعرنا ببعض الحسرة والاسى  .
أشياء  قد  لا نملك ان نسامح انفسنا عليها أبداُ مهما تقادمت  السنيين  وتبقى  كلما حلت ذكراها على غفلة من تناسينا مبعثاً  للاحباط والندم ، كلمة تمنيت لو أنه لم ينطق بها لساني ، صرخة  تمنيت لو أنها انطلقت  لتكسر ذاك  الاستسلام الصامت ،طريق تمنيت لو اني  ما مشيت فيه ، اشخاص تمنيت  لو اني ما عرفتهم وآخرون تمنيت لو أني حافظت عليهم ..  كل تلك الاماني بكينونة ما مضى من اشياء او انتفائها لينتهي  ما صار اليه من تأثير يلاحقنا   حتى اليوم  مسوغات  تبرر لنا ان نبحث  ونتأمل  ونتخيل  عودة روحية خاطفة  لتسوية  المسأئل ومعالجة لمواقف التي ترتب عليها امتدادات وأرهاصات  متحركة نحو المستقبل ككرة ثلج متدحرجة .
لكن هل تلك الرغبة ممكنة التحقيق .. فيزيائياً  لا يوجد  رفض للبحث في  الفكرة  ولم تكتسب من الاستحالة  لتكون مخالفة ابداً لنواميس الطبيعة لكن  حتى هذه اللحظة  لم يكتشف أحد ما  الطريقة  أو اخفى علينا احدهم  الكيفية التي يتم بها الانتقال الى الماضي في رحلة روحية او جسدية رغم ان الناس يرونها  شأناً من شؤون الخيال العلمي لا صلة له بالواقع او معجزة من الممكن ان تجري  على يدي  عباد الله الصالحين وانبيائه لكن بشكل ما ومحدودهل كانت المعجزة  عمل له اساس علمي لم تتوصل له البشرية  أم  انه عامل الهي بحت  خارج النطاق العلمي القابل للفهم بشرياً لنفرض ان رجلاُ صالحاً  في  العصر القديم  خرج الصبح عليه وقد  امسك  شيئاً صغيراً بحجم الكف  وأخذ  يحادث  احد بني قومه الذي ارتحل في رحلة طويلة  نحو بلاد بعيده منذ شهور  ثم ان ذاك الرجل الصالح  عرض على قومه  ذاك الشيئ الذي نعرفه اليوم بأنه (الهاتف الذكي )  وجعلهم يرون  صاحبهم ويكلمونه من خلال ذاك الشيء وهو على تخوم الصين  ومن مكانهم  في مكان ما من الشرق الاوسط ، ألن  تكون أم المعجزات  التي تبهر  القاصي والداني  من قوم ذاك الزمان  والتي لا يمكن أن  تفسر  ولا ان تتخيل أي منظومة يمكن ان تقود لمثل هذا الحدث ،  هل الله سبحانه وتعالى  يجري على يدي انبيائه  معجزات  أن كن فيكون  أم أنه  سبحانه وهو العليم من فوق كل عالم  يسخر قوى الطبيعة  وعناصرها في  علاقات فيزيائية وكيميائية وبيولوجية مختلفة  عما يفهمه بني  البشر  لتخرج  تلك المعجزة  كيد نبي الله موسى المضيئه  ونحن  نعلم أن الله تعالى  خلق  غير قليل من الاحياء المضيئة  كاليراعات والخنافس التي تعتمد على تركيبية بيولوجية تمكنها من هذه الاضاءة ذاتياً .. فلربما  كانت المعجزة  أمر اُ علمياً خافيا  على الانسان  يشاء الله ان يمنح معرفته للبشر متى اراد .

سواء تحققت ام لا  تبقى  الرحلة نحو الماضي  رغبة جامحه  ومغرية  يعكسها قول جميل بن عمر القضاعي ( الا ليت ريعان الشباب يعود ودهر تولى يا بثين يعود ) .