Saturday, September 13, 2014

الخلاص من شوشانك - مهند محمود

غلاف رواية ستيفن كينغ
شوشانك  هو سجن متخيل  في احداث رواية للكاتب  ستيفن  كينغ  تحت عنوان ( ريتا هورث  والهروب من شوشانك) صدرت في العام 1982م  وتم اخراجها فيلماً سينمائياً  على يد  فرانك داربونت  في العام 1994م  من بطولة تيم روبنز  ومورغان فريمان  ليصنع بذلك  واحد من اعظم الافلام  في تاريخ السينما الامريكيه واكثرها عمقاً وتأثيراً ،  وعندما حضيت  بمشاهدة الفيلم للمرة الاولى  قبل سنوات  بلغ بي التأثر موضعاً لم يبلغه مع اي فيلم آخر ، ذلك أن نهايته الغير متوقعه  اصابتني بدهشة عارمة  اقرب ما تكون للصدمة الخلاقة ! ففي افلام كثيرة وحكايا عديدة  كان لدي كما غيري القدرة على توقع المآلات والاحداث  بناء على درامتيكيا بداية القصة ومنتصفها  واحداثها الجانبية  ربما استثني من ذلك اعمال دان بروان  كشيفرة دافنشي  لكن  الخلاص من شوشانك  كان مفاجئة مدوية في نهايته تدفعنا للتفكير بشكل مختلف بما تحمله من معاني صريحه وضمنيه وادانة  مباشرة لنا في كل مره حملنا فيه اليأس على الرضوخ لمنطق الواقعية ، ونهاية شوشانك فسرت بالمطلق  كل ما كنا نظنه نمطي واعتيادي  في احداث الفيلم  على نحو آخر وشكل مختلف ، فهي  تطرح مفهوما مختلفاً للامل  عما اعتدنا عليه ، فهو ليس  بالضرورة  مخدر لتجاوز الالم والاسى  بل هو  ما يمكن ان يمنحنا ذكاء استراتيجي  عبقري  للنجاة مما نشهده  من عناء  والتوصل  لحلول خلاقة  في أوج الازمة ، حلول قد تكتسب للوهلة الاولى  من الاستحالة ما يجعلها تبدو خيالاً محضاً  لكنها في الحقيقة افكار بسيطة من رحم الطبيعة والبديهة  فقط  بالتحلي ببعض الامل بعيداً  عن دعوات التعايش والتكيف القسري مع واقع مزعج  نحيا فيه عبيداً .
تدور احداث  الرواية الفيلم  حول المصرفي المرموق اندي دوفرين  الذي تقوده اقداره  الى سجن شوشانك  محكوماً عليه بالمؤبد  بعد ان اتهمته المحكمة ظلماً  بقتل زوجته  وصديقها  وبعد أن  بائت كل مرافعاته بالفشل  في اقناع المحكمة ببرائته ، ويجد أندي نفسه  يخسر  زوجته  وبيته وعمله وحياته  وفوق كل ذلك يخسر حريته  ويجد نفسه في مكان لاينتمي اليه ولا ينبغي ان يكون فيه لكن  مجبر على ان يكون جزء منه وبعد رحلة عناء وعذاب طويلة لم يجد فيها الانهيار طريقه اليه  رغم  كل ما تعرض له من اعتداءات وانتهاكات حافظ فيها على رباطة  جأشه وكون فيها مجموعة من الاصدقاء الذين تقرب اليهم  ومنهم  ريد ريدنج  المحكوم عليه بالمؤبد  ايضاُ لجريمة قتل ارتكبها  وهو حدث صغير  والذي مضى على وجوده في شوشانك  ما ينوف عن العشرين عام فشل من خلالها في اقناع اللجنة المختصة في الحصول  على اطلاق سراح مشروط  يمكنه من  الخلاص من  اسوار شوشانك  البغيضة  لدرجة  اصبح يشعر فيها أنه جزء من المكان الذي  طالما كرهه واجبر على ان يعتاد عليه  ويتعايش مع فكرة  انه لن يخرج من هنا الا جثة هامدة ، اما أندي دوفرين فموهبته في الاعمال المصرفية تنقذه  اخيراُ  من الوقوع ضحية للمضايقة والتحرش والاعتداء بالضرب من قبل مجموعة من السجناء  فيحضى بنوع  من الحماية  بعد ان قام  بتقديم حلول مالية بارعة  لتسوية ضرائب  حراس السجن مع مصلحة الضرائب ولتحقق لهم الحد الاعلى  من المنفعة  ثم ان حراس السجن يلفتون نظر  مدير السجن  له ولمواهبة  في العمليات المصرفية  فيسعى مدير السجن  لمقابلة آندي  وتقييمه  ويعرض عليه بعض المزايا الخاصة كالعمل في مكتبة السجن  بما يتناسب مع ثقافته  مقابل ترتيب عملياته  المصرفية  والتي اكتشف اندي انها  تظم عمليات غسيل اموال واسعة  ، كان آندي  سابقا قد طلب  من ريد  تدبير معول صغير وهو المعروف بانه يستطيع تدبر اي شيء من خارج السجن عن طريق شبكة علاقات ورشى مع حراس السجن  ، وبالفعل  قام ريد باحضار  المعول الصغير  لاندي  بعد ان سخر  من شكوكه بأن اندي يريد استخدام المعول في حفر  الحائط  لانه وبمعول بهذا الحجم  ربما احتاج اندي لمئة عام  لكي يحفر  فتحة عبر الجدار ، لكن اندي  اخبر  ريد بانه يريد المعول الصغير لممارسة  هواية سابقة بنحت الاحجار  الصغيرة ، في تلك الفترة كانت ريتا هورث  نجمة السينما  الخاطفة للاضواء والملهبة لمشاعر  النزلاء  وشغفهم  حيث كانو  يشاهدون فيلمها كل اسبوع  من اجل  مشاهدة مشهد لها وهي  تنهض برشاقة لتنفض شعرها الطويل بكل جاذبية وسحر  كان  يدفعهم لاطلاق صيحات اعجابهم مع التصفير احتفاء بتلك اللقطة ، كانت ريتا هورث تداعب
الراحلة ريتا هيوارث نجمة السينما الامريكية
خيال كل واحد منهم  ولعلها كانت الشيء الوحيدالذي يحافظ على قدرتهم  على استيحاء الجمال وتذوقه ، يطلب أندي من ريد  طلباً آخر لا يقل  غرابة  عن طلبه لذاك المعول  الصغير  التافه ، فهو يريد  ههذ المره  ملصقاً جدارياً  للجميلة ريتا هورث  ليصلقه على جدار غرفته وفعلا لم تمضي ايام  حتى استطاع تدبر ذاك الملصق له ولكن  هذه المره مجاناُ  عربون صداقة ورفقه ، وفعلاً يقوم أندي  بلصق  الصورة على جدار زنزانته ، تتغير وقائع  القصة  بقدوم نزيل جديد  منقول الى شوشانك من احدى  الاصلاحيات الاخرى  وصدف انه ذات مره اخبر  آندي وريد  بأمر غريب ومثير  حيث انه في سجنه السابق صادف احد السجناء الذي شاركه في زنزانته واخبره  عن قيامه بقتل زوجة  مصرفي  وعشيقها  وانه تم  اتهام زوجها  بالجريمة وحكم عليه بالمؤيد .. حذه القصة  وكأنها بثت  الروح من جديد  في جسد اندي المتعب  حيث انه أخيرا وبعد كل تلك السنوات  ثمة دليل معتبر على برائته  ، لكن مهلاً ! فقضية وجوده في شوشانك  لم تعد مرتبطة  بقادانته بجريمة قتل  بل اتخذ الموضوع منحى آخر  حي أن اندي  مطلع بشكل او باخر على تفاصيل عمليات غسيل  الاموال التي يقوم بها مدير السجن والذي لايمكن له ابدً ان يسمح لاندي ان يكون خارج اسوار شوشانك  مهما كان  الثمن لان حرية آندي  هي سجن مدير السجن  بلا شك  بناء على ما يعرفه اندي  ، وعندما ابدى  ذاك السجين استعداده للشهادة لصالح آندي  تمت تصفيته  باطلاق النار عليه من احد حراس السجن بآوامر مباشرة من مدير السجن  تحت ذريعة انه حاول الهرب ،  شعر آندي بخيبة أمل عارمة  وقهر شديد  اضرب عن العمل  لصالح مدير السجن لكن السجن الانفرادي لمدة شهريين  وآمر آخر غامض اعاد آندي  للعمل لصالح  مدير السجن  لكن  بروح شديدة الحزن والتعاسه  لاحضها صديقه ريد  وأدرك أن اندي لم يعد كما كان  ولم يعد بتلك القوة التي بدا عليها  وان الانهيار لربما سيجد طريقه اليه هذه المره ، اصيب ريد بالقلق على صديقه المقرب الذي طالما حدثه عن اهمية الامل  وشاطره احلامه بالخروج  من هذا السجن البغيض ليعمل على مشروع حياته باقامة فندق صغير على شواطئ المكسيك  ويعمل على صيانة يخت صغير واصلاحه  للابحار  على امتداد المحيط الهادئ ، فجاءة  لم يعد آندي يتحدث عن تلك الاماني والاحلام اصبح اكثر ميالاً للصمت والوحدة من جديد  شعر ريد  أن آندي سيقوم بأمر  ما  وتعزز يقينه بذلك بعد ان علم بأن اندي قام بطلب  حبل  من احدى نزلاء السجن !  بدى كل شيء وكأن لحظة النهاية قد حلت  وشعر ريد بأنه لا شيء يمكنه ان يفعله   ليغير  مما يمكن ان يقدم عليه ريد  من نوايا يجهلها  لكنها قد تفقده صديقه الاستثنائي  الى الابد ،  في تلك الليلة  من ليالي الشتاء  يأتي موعد نوم النزلاء بعد ان أدخلو مهاجعهم  وأطفئت  الانوار  ويعجز  ريد عنه النوم تماماً  في تلك  اليلة الطويلة  وهو يجهل مصير صديقه آندي  الذي بات على قناعة بأنه ينوي وضع حد لحياته بشكل أو بآخر  كما انتحر من قبل  امين مكتبة السجن العجوز عندما  تم اطلاق سراحه  بعد ان عجز عن التكييف مع واقع الحرية  وهو الذي قضى جل سنوات عمره في سجن شوشانك ، اخيرا حل الصباح  وفتحت ابواب  المهاجع الكهربائية  وخرج  النزلاء في صف طويل لتبدأ عملية تفقدهم  وعدهم  نظر ريد  الى باب  مهجع اندي  لم يرى اندي يخرج  مما أكد هواجسه ومخاوفه  قام  المفتش بالمنادة على اندي لم يكن ثمة احد يرد  قام المفتش بالصعود  نحو المهجع  عاضباً  وكانت المفاجئه  التي حلت كالصاعقة ! اندي لم يكن موجوداً  في مجعه  لقد اختفى بشكل ما ، جاء مدير  السجن  مدججاً بالحراس يستشيط غضباً بشكل هستيري  اعلنت الطوارئ  لقد اختفى  آندي  من داخل زنزانته المغلقة ، حدثت معجزة ما التهمته  من داخل مهجعه  امسك  مدير السجن ما تبقى من اغراض اندي ومتاعه واخذ يرميها  في كل مكان ، اخذي يرمي حجارة صغيرة كان ينحتها آندي  على  الملصق الجداري  لريتا هيوارث  بكل قوة وسخط  ، لكنه انتبه الى ان  الحجارة الصغيرة تلك اخترقت الصوره ، اقترب منها ومد يديه  لتدخل  بالكامل الى الداخل ازاح  الصورة عن الجدار  ، فتح فمه مندهشاً  للغاية !  لقد حفر اندي  نفقاً  الى الخارج  من وار ملصق ريتا  فما لم يعلمه مدير السجن  ان لآندي  مواهب اخرى  غير الاعمال المصرفية والحسابات  المالية  فهو ضليع بالجولوجيا  وكان  يعرف جيداً  تكوين طبقات الارض  وتركيبها  وان حفرة ما  لكي تتشكل  فأنها تحتاج  الضغط  مهما كان محدوداً  والزمن  وقد كان  لديه الكثير منه  الذي لم يهدره عبثاً  فحفر طوال تلك السنوات  بادة  صغيرة  نفقاً قاده الى انابيب المجري الكبيرة التي زحف من خلالها  عبر القاذورات التي لا يمكن تصورها نحو الحرية والخلاص !
ملصق الفيلم 
عندما اكتشف  مدير السجن النفق كان اندي قد قام  بسحب ودائع  عمليات غسيل الاموال الخاصة بمدير السجن واحدا تلو الاخر بواسطة اوراقة شخصية مزورها اعدها بمساعدة مدير السجن نفسه  حتى لا تطاله شبهات الاحتيال ،  لقد انتقم  حقاً من مدير السجن  واجهز عليه  خصوصا عن ارسل ملفاً عبر البريد الى احدى الصحف الكبرى  يحتوي وثائق فساده واحتياله مما دفع  مدير السجن للانتحار خشية القبض عليه ،  وصل آندي  الى شواطئ  المكسيك بعد ان تمكن من عبور الحدود  وشرع في بناء فندقه الصغير  على شواطئ  الهادي  .. اما ريد فأصبح للامل معنى آخر في ذهنه  وانقضت بعض السنين  ليحصل على  اطلاق سراح  مشروط  ويلحق بصديقه آندي  الذي كان يعرف ان يكون .
انتهت وقائع  الرواية  واحداث الفيلم على هذا النحو  ولم تنتهي تأثيره عند تلك النقطة  بل امتدت  لتعيد بناء جملة من  المفاهيم  على رأسها  مفهوم الامل الذي كان يبدو لي  محاولة  امتلاك  بسمة خفيفه  للتغلب على احباطات  الواقع  محاولة تجميلة  لواقع العبودية  والانقياد لاعتبارات  اجتماعية  بداعي السلامة  وتجنب المواجهه ، آندي وجد  خلاصه في ملصق جداري لريتا هيوارث  ومعول صغير  قد يصلح  على الاكثر لدق حبات الجوز لا اكثر  وكثير منا  تحيط حوله الكثير  من المعطيات والادوات  ويعجز  بشكل كلي  عن توظيفها  بشكل  يمنحه الخلاص  .. الامل أمر جيد  لكنه يجب ان يكون أمل استراتيجي .
أندي يبعث رسالة  لريد  بعد تمكنه من الخروج  يقول فيها " تذكر ريد ، الامل هو أمر جيد
  ربما هو افضل الاشياء  والاشياء الجيدة  ابداً لا تموت 


2 comments:

  1. انا لا أقرأ نصاً انا اشاهد فيلما عميق الحص من العاطفه او اجلس على رصيف في الشتاء واتحدث إلى من اعيته تجربة تسكن فيه سلمت يمناك مهند

    ReplyDelete
  2. بالغ امتناني وتقديري ِ شـــــــاكر ...تعليقك اسعدني

    ReplyDelete